مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

هذا الوجه ليس وجهك!

 

قال محمود درويش مخاطباً حبيبته ذات نص :” وحين أُحدِّق فيك أرى مُدناً ضائعهْ؛ أرى زمناً قرمزياً؛ أرى سبب الموت والكبرياء؛ أرى لغة لم تسجّل “، اليوم لم نعد مرئيين بما يكفي لُنُحَب، لم يعد التحدق في أعيننا يعني شيء، سوى مزيد من الألم والغربة بين الأحبة، كيف نقنع شاباَ اليوم؛ يجلس وحيداً أمام قطعة معدنية أذكى منه، يتسول الحب والاهتمام، مع أفكار ليست له، وحبيبة لم يلتقها بعدُ ،كيف تقنعه بأنها لن تأتي أبداً، وأنه على الأغلب لن يُحَب كما يريد ؟ ولا كما ينبغي له أن يُحَبّ.
ليس لأن التي يحلم بها غير موجودة فعلاً، ولا لأن معاييره في الحب والحياة عالية كما يظن من حوله، بل لأنها حين تأتي، لن تراه أبداً ! إن ما سيمنعها عندئذ عن رؤيته هو أنه بلا وجه، لقد سمح للصوص بأن يسرقوه، فسرقوا معه حلمه وماهيته، سرقوا أجمل ما فيه: وهو تميزه وتفرده، بل لقد كان أسخى من ذلك، حين تبرع بعقله ومواهبه الفطرية ومهاراته وشقاء عمره، بحثاً عن إنتماء جديد لصورة وحياة وعالم لا تشببه.
ولأن الإنسان، لا يمكنه أن يعيش عارياً بلا وجه، فقد اقتنى شباب اليوم، قناعاً رخيصاَ من سوق الأقنعة المجانية التي توزعها المواقع والمنصات وتبهرجها الشاشات، وتسوق لها الفاشنيستات والمؤثرون والمؤثرات، لكي يعيش به إلى حين، مع حرصه الشديد على أن لا يُفضح سره، أو يُكشف عنه الستار؛ فيتفاجئ من حوله أنه بلا وجه حقيقي، ولأنّ الناس لا يروننا حين ينظرون إلينا، بل يرون أقنعتنا، و كلّ ما تعوّدنا أن نخفي به من نكون حقّا ونظهر به ما نشتهي أن نكون عليه، فكل ما سوف يحبون فيك عزيزي القارئ الشاب في النهاية هو ذلك القناع الذي قررت أن ترتديه ، أو لنقل أنهم سيحبون طريقتهم في رؤية ذلك القناع، وطريقة تفسيرهم له، إنهم يحبون ذوقهم في إختيار الأقنعة التي تعجبهم لا أكثر.
هكذا يقع الناس في حب أذواقهم، وتقع أنت في حب القناع الذي أخترته لنفسك ثم صدَّقته، وتنسى ذاتك الأصلية، لتصبح تلك حالة حب من طرف رابع، يحضر فيها الجميع إلا أنت، حين يحبٌ قناعً قناعاُ آخر، وقد تحب بقلبك الحقيقي ما تعتقد أنه حقيقة ذلك الشخص، وما هو إلا ما يظهر لك منه وهو قناعه، في النهاية يكتشف الجميع أنها كانت مجرد حفلة تنكرية .
أي كان القناع الذي اخترنا أن نرتديه: إن كان قناع الطموح أو الثراء الفاحش غير المستحق، أو قناع المثقف الثوري الذي لا يُشق له غبار بغير علم حقيقي، أو قناع الرياضي الذي لا يُقهر، أو قناع عرَّاب الإنتاجية التي لا تنقطع، أو قناع من لا يضاهيه أحد في الجمال والأناقة، فاعلم أن القناع يظل قناعاً مهما طال عليه الزمن؛ ولن يتحول إلى وجه حقيقي، وأن ما يبقى في الإنسان هو أصله، وما يحمله في قلبه وعقله وجوهره الحقيقي وليس ما تُشيعه المظاهر.
إذن فليقنع ذلك المسكين أنه يمكن أن يُحب حق المحبة لذاته الحقيقية دون أن يحتاج إلى ارتداء قناع أو تقليد أحد، دون أن يتصنع شخصية إنسان آخر، دون أن يتقمص شخصية مؤثر أو ناجح، لا يعرف عنه سوى ما يُظهره على الشاشات بعد أيام طويلة من التعديل والمونتاج، فقط لأن ظاهر حياته أعجبته، أو أن تغيير شكله وجسمه كلياً، فقط لمواكبة محتوى رائج أو موضة معينة، ما تلبث أن تزول بعد بُرهة، وغيرها من مظاهر نسيان الذات والتنكر لها.
إن المخاطرة بأن تعيش وفياً لذاتك الحقيقية، في حياة لن تُعطها سوى مرة واحدة، بضعفها وسخافاتها، وغباءها، و ترهاتها، قبل محاسنها ومميزاتها، إنما هو الشرف كله في هذه الحياة، لذلك عليك أن تؤمن عزيزي القارئ بأنك تستحق أن يُقال فيك ما قال محمود درويش، بأن تكون سببا يموت الآخر من أجله ويكابر على شرفه ، لكن بشرط واحد، هو أن تكون مرئياً، أن تُرى من الداخل، وليس أن يُحكم عليك من قناعك الذي تتستر به، بينما لا يُشبهك في شيء.
مهمتك اليوم كإنسان حر أبيّ، يستحق أن يحيا وأن يُحبّ، أن تسأل بوقاحة ودون إحتشام، من سرق وجهك؟ وأن تستعيد أصالتك وتعمل على حراسة كنزك الكبير: ذاتك التي تميزك، وأن تسعى في أن تُسمع العالم صوتك بأنك موجود وأن لك وجهاً يستحق أن يُرى ويُحبّ.

 

أ. سعد أبو طالب
‏wyq1217351@
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop