أيام قليلة تفصلنا عن موعد الإعلان عن جائزة نوبل للسلام لعام 2025، والمقرر يوم الجمعة العاشر من أكتوبر الجاري في «معهد نوبل» بمدينة أوسلو عاصمة النرويج. ويبلغ عدد المرشَّحين هذا العام 338 اسمًا يتنافسُون على واحدة من أرفع الجوائز العالميَّة، التي تُمنح تكريمًا للجهود المبذولة في إحلال السَّلام، ومواجهة النزاعات والصراعات الدوليَّة.
منذ تأسيسها قبل أكثر من قرن، لم تخلُ الجائزة من الجدل حول معايير منحها، ولا حول الأسماء التي فازت بها، إذ طالما تباينت الآراء بين مَن يراها رمزًا عالميًّا للسَّلام، ومَن يعدُّها أداةً لتلميع شخصيَّات أو سياسات معيَّنة. ومع موسم الترشيحات الحالي، يبرز اسم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب كأحد أكثر الأسماء إثارةً للجدل، سواء فاز بها أم لم يفز، نظرًا لطبيعة شخصيَّته، ومواقفه المتأرجحة التي تجمع في آنٍ واحد بين المبادرات الداعمة للسَّلام، والممارسات القائمة على القوَّة والإكراه.
يستند مؤيِّدو ترمب في ترشيحه إلى ما يعتبرونه «دوره في إعادة تشكيل التوازنات في الشرق الأوسط، وتقليص احتمالات اندلاع نزاعات إقليميَّة واسعة». كما يرون أنَّ خطَّته الأخيرة بشأن غزَّة، التي أعلنت إسرائيل موافقتها عليها، وأبدت حركة حماس استعدادها للتجاوب معها لتحقيق سلام دائم، تُمثِّل خطوةً مهمَّةً نحو وقف حرب دامية ومدمِّرة، وربما تؤسِّس لسلامٍ تاريخيٍّ طال انتظاره في المنطقة.
غير أنَّ هذه المنجزات -بحسب مناوئيه- لا تُخفي الوجه الآخر في سجل ترمب، وهو وجه القوَّة الصلبة الذي تجسَّد في مواقفه العسكريَّة والاقتصاديَّة الحادَّة. فبينما يصف أنصارُه نهجَه بأنَّه «سلامٌ عبر القوَّة»، يرى منتقدُوه أنَّه سلامٌ مؤقَّت قائم على الخوف والتهديد، لا على التفاهم المتبادل. كما أنَّ إرثه الداخلي في الولايات المتحدة مُثقل بالاستقطاب السياسيِّ الحادِّ، إذ أسهم خطابه التصادمي تجاه الإعلام والمؤسَّسات في تعميق الانقسام الأمريكيِّ، وهو ما يجعل فكرة منحه جائزة نوبل للسَّلام محل جدل واسع.
لا يمكن لأحد الجزم بما إذا كان ترمب سيفوز بالجائزة أم لا، فتاريخ نوبل زاخر بالمفاجآت والأسماء غير المتوقَّعة. لكن السؤال الأهم هو: هل سيُعزِّز فوز ترمب بمثل هذه الجائزة مكانتها ومصداقيتها، أم يُضعفها؟ وهل يمكن أنْ يدفع ذلك الفوز ترمب، كرئيس لدولةٍ عُظمَى، إلى تبنِّي مزيد من المبادرات لنشر السَّلام العادل في العالم؟.
إنَّ جائزة نوبل ليست -ولا ينبغي أنْ تكون- مجرد «بريستيج» سياسي، بل هي رمز إنساني هام يسعى لتكريس قيم السلام والعدالة الدولية. وإذا كان الجدل يلاحقها كل عام، فإنَّ هذا الجدل ذاته ربما يؤكِّد أنَّها لا تزال قوَّة ناعمة حيَّة ومؤثِّرة، تعكس تناقضات عالم يبحث عن السَّلام والعدالة الدوليَّة في زمنٍ تشتدُّ فيه الصراعات؛ والميل المُفرط لاستخدام القوَّة الصلبة.
د. سعود كاتب
@skateb
عضو جمعية إعلاميون