مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

واقع لا يرحم

 

سأتحدث بصراحة، وربما لا يروق كلامي للبعض، لكنه واقع نعيشه في عالمٍ قاسٍ لا يرحم حتى أصحاب الكمال، فكيف بمن ابتُلي بعيبٍ أو إعاقة؟

لذلك أقول لكل من يعاني من التنمّر الإلكتروني: كفاك ما تلقاه من تنمّر الواقع — في الشارع أو العمل — بابتعادك عن مصادر الإحراج والسخرية على مواقع التواصل.

فإذا أنعم الله عليك بنعمة، فأظهِرها ليُرى أثرها عليك، وإذا أخذ منك نعمة أو ابتلاك ببلاء، فلا تُظهره للناس، لأنك بذلك تستدرّ إمّا شفقتهم أو نفورهم.

ولا تجاهر بعيوبك الظاهرة أو الباطنة،
فالناس عيونٌ تلتقط وألسنةٌ لا ترحم. ولا تستهلك نفسك في الظهور على وسائل التواصل، حتى لا تجعل من نفسك مادة للتنمّر أو الاستفزاز، فإن لنفسك عليك حقًّا.

في عصر السوشيال ميديا، تغيرت موازين العلاقات الإنسانية وسلوك الأفراد بشكل جذري. فالشخص الذي كان في الماضي يميل إلى الانطواء والعزلة خوفًا من الأذى أو الكلمات الجارحة، أصبح اليوم يسعى إلى الأضواء، غير مبالٍ بالتنمر أو الانتقادات التي قد تواجهه. وما يدفعه غالبًا إلى ذلك ليس مجرد الرغبة في الشهرة، بل التكسب؛ إذ تحولت الأضواء إلى مصدر رزق، وأصبح التنمر على الآخرين أو التعرض له فرصة لتحقيق مكاسب مالية من خلال القضايا أو الغرامات، مما يخلق واقعًا جديدًا يوازن بين الألم والربح، بين السخرية والفرصة.

ولأنه يعلم أن تعرضه للتنمر والانتقاد سيرفع من عدد المشاهدات، أصبح هذا الأمر دافعًا كبيرًا له للخروج إلى الأضواء، متحملاً كل ما يحدث له في سبيل الشهرة. ومع انتشار المقاطع المثيرة للجدل، نلاحظ أن بعض الأشخاص يبحثون عن التنمر كوسيلة للتكسب المادي.

ويذكرني هذا بسرد من التراث الشعبي: كان الثعلب يحمل جثة أمه على ظهر الحمار، فيتعمد أن يدخل الحمار إلى الحقل ليأكل الزرع. وعندما يقوم صاحب المزرعة بطرده، تسقط الجثة من على ظهر الحمار، فيصيح الثعلب: “قتلتم أمي! قتلتم أمي!”، ويحاولون إسكات صراخه بإعطائه حفنة من الدراهم. وهكذا يفعل في كل مرة، في كل حقل يدخل فيه.

تمامًا مثل من يعرض نفسه للتنمر عمدًا عبر وسائل التواصل، ليحصل على المكسب المالي من تفاعل الآخرين أو المتابعة والمشاهدات.

 

أ. هيا الدوسري
‏@HAldossri30
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop