تقوم فكرة “اللحظة” على معنى قريب من الإنسان في يومه العادي، فما نعيشه الآن هو الشيء الوحيد الذي نستطيع التأثير فيه. وكل ما مضى لا يعود، وكل ما سيأتي لا يمكن ضمانه. ولهذا اهتمت الثقافات المختلفة بفكرة الحاضر، ورأت أنه الجزء الأهم في عمر الإنسان.
فالناس منذ القدم لاحظوا أن معظم القلق يأتي من التفكير في المستقبل، وأن معظم الحزن يأتي من التمسّك بالماضي، بينما تتبدّل حياة الإنسان حين يلتفت إلى لحظته ويعطيها ما تستحقه. لذلك ظهرت نصائح كثيرة عبر التاريخ تدعو إلى الانتباه للحاضر، لأنه المجال الوحيد الذي يمكن أن نُغيِّر فيه شيئًا بالفعل.
وفي التجارب اليومية نرى هذا المعنى بوضوح: فلحظة فرح قصيرة كفيلة بتغيير مزاج يوم كامل، ولحظة صدق تعيد بناء علاقة توشك على الموت، ولحظة غفلة قد تضيّع فرصة لا تتكرر. ومن هنا اكتسبت اللحظة أهميتها؛ لأنها تحمل أثرًا أكبر مما يبدو، رغم أنها زمن صغير جدًا.
أما في ثقافتنا العربية والإسلامية، فقد ارتبط الزمن بفكرة المسؤولية؛ فالإنسان يُعرَف بما يفعله الآن، لا بما يخطط له لاحقًا. ولهذا جاءت نصوص كثيرة تدعو إلى اغتنام العمر قبل فواته، والحرص على الفرص دون تأجيل.
وعندما نجمع هذه الرؤى معًا، نصل إلى فكرة بسيطة لكنها قوية: كل لحظة مساحة للعيش الواعي، ولصنع قرارات قد تغيّر شكل حياتنا.
فالإنسان الذي يعيش يومه بوضوح يخفّ عنه ثقل الأمس، ولا يرهقه انتظار الغد، لأنه سيجد نفسه في مكان واحد هو “الآن”. وهنا تتكوّن المعاني، وتُبنى العلاقات، وتُصنع القرارات الصغيرة التي تغيّر المسار كله.
إذن، قف: الدنيا لحظة… لكنها لحظة قادرة على صنع الكثير.
د. مريم حديدي
@Eshtaralarab
عضو جمعية إعلاميون