مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

6.3… اقتصاد متين وثقة مستدامة

 

لم يكن الرقم 6.3 % مجرد نسبة عابرة في تقرير ربع سنوي، بل لحظة تجلت فيها ملامح التحول العميق الذي تشهده المملكة في سوق العمل. حين يسجل معدل البطالة بين السعوديين أدنى مستوياته في التاريخ، فنحن نتحدث عن تحسن إحصائي، وعن إنجاز هيكلي يعكس نضج الخيارات الاقتصادية وجرأة السياسات العامة، ونجاح الرؤية في تحويل طموح التمكين إلى واقع معيش.

إنّ انخفاض معدل البطالة بمقدار 0.7 نقطة مئوية مقارنة بالربع السابق، و1.3 نقطة على أساس سنوي، يشير إلى تغير في البنية لا في المزاج، إلى اختفاء تدريجي للفجوة بين التعليم وسوق العمل، إلى اكتساب المهارات مكانها الطبيعي في خارطة التوظيف. كما يؤكد أن فرص العمل التي كانت يومًا ما حكرًا على القطاع العام، باتت اليوم تتحول نحو القطاع الخاص، الذي بدأ ينهض بدوره كمحرك رئيس للتنمية، وليس خيارًا بديلاً.

وحين ترتفع نسبة المشاركة في القوى العاملة إلى 68.2 %، فإننا أمام إشارات تتجاوز اللغة الرقمية إلى لغة الثقة. المواطن اليوم أكثر إدراكًا لإمكاناته، وأكثر استعدادًا للانخراط في سوق متجدد، يتغير في قطاعاته، وينفتح في أدواته، ويتوسع في مجالاته. والأهم أن هذا الحضور يتجاوز الذكور ليشمل النساء في موجة صعود ناعمة، لكنها حاسمة، تُعيد تعريف مفهوم التوظيف على أسس الكفاءة والجدارة.

المؤشر الأهم، والذي قد لا يلفت الانتباه سريعًا، هو بلوغ نسبة المشتغلين السعوديين إلى إجمالي السكان 48 %، وهو ما يُبرهن على وجود نمو حقيقي في التوظيف، لا مجرد عروض نظرية. ما يعني أن الاقتصاد أصبح يوفّر فرصًا حقيقية، قادرة على استيعاب شرائح واسعة من المجتمع، معتمدة على قدرات وطنية متنامية.

وفي ظل تحولات الاقتصاد العالمي، كان يمكن لمؤشرات المشاركة أن تهتز أو تتراجع، لكنها أظهرت صلابة مفاجئة. استقرار مشاركة السعوديين في القوى العاملة عند 51.3 %، يعكس أن المملكة قادرة على توليد الوظائف، وحمايتها أيضًا. هذا الثبات هو ثمرة سياسات توطين أكثر مرونة، وبرامج تمكين تنسجم مع احتياجات السوق وتوازن بين التأهيل والطلب، ومنظومة تشريعية تجمع بين فتح الفرص وتنظيم الإيقاع بما يضمن الكفاءة والاستدامة.

التحسن في المؤشرات كافة مقارنة بالعام الماضي، هو نتيجة سلسلة مترابطة من الإصلاحات، انطلقت منذ بداية رؤية 2030. وقد تميزت هذه الإصلاحات بتركيزها على معالجة جذور البطالة، لا مظاهرها، عبر تشجيع القطاعات الواعدة، وتحفيز الريادة، وتعزيز بيئة الاستثمار، وربط التعليم بسوق العمل عبر برامج دقيقة وموجهة.

أما نقطة الالتقاء بين ارتفاع معدل المشاركة وانخفاض البطالة، فهي الإشارة الأكثر عمقًا في هذا المشهد. حين ترتفع المشاركة، وينخفض في الوقت نفسه معدل البطالة، فهذا دليل قاطع على أن النمو نابع من توازن دقيق بين العرض والطلب، بين السياسات والنتائج، بين الرؤية والتنفيذ.

اليوم، لا نقرأ تقريرًا اقتصاديًا فحسب، بل نقرأ سيرة وطن يصنع اقتصاده بشعبه، ويحوّل سوق العمل من منطقة قلق إلى منطقة أمل، ومن حلبة منافسة غير متكافئة إلى منصة إنصاف وعدالة وفرص. فكل نقطة مئوية تنخفض من معدلات البطالة، تعني أسرة جديدة تبتسم، وطموحًا ينطلق، واقتصادًا أكثر قوةً وقدرة على احتواء أحلام أبنائه.

 

د. سطام آل سعد
‏@Sattam_Alsaad
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop