إن مفارقة كلمة “عادي” تكمن في كونها أعمق الكلمات سطحية وأكثرها بلاهةً دلالية فـ “عادي” ليست مجرد صفة وإنما هي ستار كثيف يُسدل على مشهد داخلي متقلب.
إنها آلية دفاع لغوية يُشهرها الإنسان في وجه طوفان المشاعر والخيارات والأحداث التي يخشى مواجهتها أو عجز عن تفسيرها او لايرغب الحديث عنها ففي المواقف التي تتطلب اعترافاً بالخطأ كـ “معليش تكلمت عنك” يكون الرد “عادي” بمثابة صك غفران فوري يُمنح لتجنب الاشتباك الوجداني وعمق العتاب فهو ليس تسليماً بأن الأمر حقاً بلا قيمة بل هو رغبة عارمة في إنهاء التوتر والمضي قدماً دون تحمل عبء المحاسبة العادلة أما في سياق الخضوع والتسليم الذي يعبر عن لا مبالاة مكتسبة كـ “نروح الحين ولا بعدين عادي” فـ العادي هنا هو تعبير عن استنفاد الرغبة أو استسلام للإرادة الخارجية إنه إشارة إلى أن مركز القيادة الداخلي قد أُغلق وأن الفرد لم يعد يرى فرقاً جوهرياً بين بدائل الحياة التي تُعرض عليه فـ فقدان القدرة على التفضيل هو في جوهره فقدان لـ جزء من الإرادة الفاعلة وتحول إلى كائن مستجيب لا مبادر والجانب الأكثر إيلاماً في هذه الكلمة يظهر عندما تُستخدم للتخفيف من وقوع الأذى أو جسامة الحدث فأن تقول لشخص ما: “ما حدث ليس عادياً” ولكنني أجبر نفسي على التعامل معه كـ عادي هو اعتراف ضمني بـ عبء الموقف الذي تجاوز حدود الاحتمال الطبيعي إنها قناع سميك يُخفي تحته الجرح أو الخيبة أو التراكم الذي لم يجد منفذاً للتعبير فيصبح القمع النفسي هو الثمن الذي يدفعه الفرد ليُقدم صورة مرنة للعالم إن “عادي” إذاً هي كلمة الطوارئ النفسية هي صمت المتعبين وتجاهل العارفين وهروب اللحظة فكل ما يُوصف بـ “عادي” في الواقع الإنساني يكون غالباً فوق العادي لأنه جزء من تلك الدراما اليومية التي تُشكل ماهيتنا وتُعيد صياغة وعينا دون أن نمنحها ثقلها اللغوي المستحق.
أ. محمد العتي
@otay_moahmmed
عضو جمعية إعلاميون