مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

فنّ الفكاهة

يعتقد البعض أن خفة الدم يمكن ممارستها في أي مكان ومع أي صحبة، لكنهم سرعان ما يصطدمون بالواقع المرير والتعليقات المرتدة إليهم كسهم طائش. فبينما يجتهد أحدهم في إضفاء أجواء من الضحك حوله، يُفاجأ بخيبة أمل حين يكتشف أن محاولاته لم تُثمر إلا صمتًا مطبقاً أو ابتسامات متكلّفة.

ولبعض الأشخاص سحرٌ خاص في إلقاء النكتة، حتى قبل أن ينطقوا بها.
روحه مرحة، ونظراته وتعابير وجهه تمتلك رهافة تجعل من حضوره بذاته جزءًا من الضحك. وفي بعض الأحيان، ما إن يتحدث هذا الكائن اللطيف حتى يبدأ اثنان أو ثلاثة بالضحك، فيرد هو ببراءة: “ما بعد قلت شي!”، لتنفجر الجلسة كلها ضحكًا مضاعفًا دون أن يفهم أحد السبب تمامًا.

هذه الشخصية المرحة مطلوبة فوق كل أرض وتحت كل سماء، لأنها تبعث البهجة وتكسر جمود اللحظات. لكنّ الإفراط في الفكاهة قد يتحوّل إلى عبءٍ ثقيل، فذلك الذي يظن أن خفة الدم مهنة يومية، يُصبح – دون أن يشعر – رمزًا للتكلّف، حتى نُطلق عليه مازحين “ثقيل الدم”، لأن روحه فقدت تلقائيتها، وصوته صار يُرهق أكثر مما يُضحك.

الفكاهة الحقيقية ليست في النكتة نفسها، بل في التوقيت، وفي الذكاء الذي يقرأ الوجوه قبل الكلمات. هي فنّ الرشاقة في الموقف، لا الإصرار على الإضحاك. فكما أن الطرفة تفقد بريقها حين تُعاد، كذلك الفكاهة تموت إذا خرجت من فمٍ متكلف.

وفي النهاية، يبقى فنّ الفكاهة مهارة لا تُعلَّم، وإنما تُستشعر. من وُهبها أراح القلوب، ومن تكلّفها أرهقها.

 

أ. محمد العتي
‏@otay_moahmmed
عضو جمعية إعلاميون

 

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop